للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بكر قالت: قدمت أمي وهي مشركة؛ فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله؛ إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: نعم؛ صِلي أمك.

وفي (قول القرآن) يبيِّن أدب المجادلة مع المخالفين: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ} (العنكبوت: ٤٦)، وتتجلى هذه السماحة كذلك في معاملة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأهل الكتاب يهودًا كانوا أو نصارى؛ فقد كان يزوروهم ويكرمهم، ويحسن إليهم، ويعود مرضاهم ويأخذ منهم ويعطيهم.

ذكر ابن إسحاق في السيرة: أن وفد نجران -وهم من النصارى- لما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة دخلوا عليه مسجده بعد العصر؛ فكانت صلاتهم؛ فقاموا يصلون في مسجده؛ فأراد الناس منعهم؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعوهم)) فاستقبل المشرق فصلوا صلاتهم.

وعقب المجتهد ابن القيم على هذه القصة في (الهدي النبوي)؛ فذكر مما فيها من الفقه جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين، وتمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين وفي مساجدهم أيضًا إذا كان ذلك عارضًا، ولا يمكنون من اعتياد ذلك.

وروى أبو عبيد في (الأموال) عن سعيد بن المسيب: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تصدق بصدقة على أهل بيت من اليهود فهي تجرى عليهم". وروى البخاري عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عاد يهوديًّا وعرض عليه الإسلام؛ فأسلم؛ فخرج وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه به من النار))، وروى البخاري أيضًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مات ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله، وقد كان في وسعه أن يستقرض من أصحابه، وما كانوا ليضنوا عليه بشيء؛ ولكنه أراد أن يعلم أمته، وقبِل النبي -صلى الله عليه وسلم- الهدايا من غير المسلمين، واستعَّان في سلمه وحربه بغير المسلمين؛ حيث ضمن ولاءهم له،

<<  <   >  >>