للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يخشَ منهم شرًّا ولا كيدًا؛ ومرت عليه جنازة فقام لها -صلى الله عليه وسلم- واقفًا؛ فقيل له: إنها جنازة يهودي؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أليست نفسًا؟!)).

وتتجلى هذه السماحة كذلك في معاملة الصحابة والتابعين لغير المسلمين؛ فعمر يأمر بصرف معاش دائم ليهودي وعياله من بيت مال المسلمين، ثم يقول قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (التوبة: ٦٠) وهذا من مساكين أهل الكتاب، ويمر في رحلته إلى الشام بقوم مجذومين من النصارى؛ فيأمر بمساعدة اجتماعية لهم من بيت مال المسلمين، وأصيب عمر بضربة رجل من أهل الذمة أبي لؤلؤة المجوسي؛ فلم يمنعه ذلك أن يوصي الخليفة من بعده -وهو على فراش الموت-: فيقول: أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرًا، وأن يوفي بعهدهم وأن يقاتل من وراءهم؛ وألا يكلفهم فوق طاقتهم.

وابن عمر يوصي غلامه أن يعطي جاره اليهودي من الأضحية، ويكرر الوصية مرة بعد مرة؛ حتى دهش الغلام وسأله عن سر هذه العناية بجار يهودي، قال ابن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) وماتت أم الحارث بن أبي ربيعة، وهي نصرانية؛ فشيعها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان بعض أجلاء التابعين يعطون نصيبًا من صدقة الفطر لرهبان النصارى، ولا يرون في ذلك حرجًا؛ بل ذهب بعضهم كعكرمة وابن سيرين والزهري إلى جواز إعطائهم من الزكاة نفسها.

وروى ابن أبي شيبة عن جابر بن زيد: أنه سئل عن الصدقة فيمن توضع؟ فقال: في أهل ملتكم من المسلمين وأهل ذمتكم، وذكر القاضي عياض في (ترتيب المدارك) قال: حدث الدارقطني: أن القاضي إسماعيل بن إسحاق دخل عليه الوزير عبدون بن صاعد النصراني وزير الخليفة المعتضد بالله العباسي فقام له القاضي ورحب به: فرأى إنكار الشهود لذاك، فلما خرج الوزير قال القاضي

<<  <   >  >>