ومن الأمثلة العملية: ما ذكرناه من قبل: وهو ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله: "أن جنازة مرت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقام لها واقفًا؛ فقيل له: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي فقال:((أليست نفسًا)). بلى ولكل نفس في الإسلام حرمة ومكانة؛ فما أروع الموقف وما أروع التفسير والتعليل.
٢ - اعتقاد المسلم أن اختلاف الناس في الدين واقع -بمشيئة الله تعالى- الذي منح هذا النوع من خلقه الحرية والاختيار فيما يفعل ويدع:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}(الكهف: ٢٩){وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}(هود: ١١٨)، والمسلم يوقن أن مشيئة الله لا راد لها ولا معقب؛ كما أنه لا يشاء إلا ما فيه الخير والحكمة.
٣ - وليس المسلم مكلفًا أن يحاسب الكافرين على كفرهم، أو يعاقب الضالين على ضلالهم؛ فهذا ليس إليه، وليس موعده هذه الدنيا؛ إنما حسابهم إلى الله في يوم الحساب وجزاؤهم متروك إليه في يوم الدين؛ قال تعالى:{وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}(الحج: ٦٨، ٦٩) يخاطب رسوله في شأن أهل الكتاب: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}(الشورى: ١٥) وبهذا يستريح ضمير المسلم، ولا يجد في نفسه أي أثر للصراع بين اعتقاده بكفر الكافر وبين مطالبته ببره والإقساط إليه، وإقراره على ما يراه من دين واعتقاد.
٤ - إيمان المسلم بأن الله تعالى يأمر بالعدل، ويحب القسط، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، ولو مع المشركين، ويكره الظلم، ويعاقب الظالمين ولو كان الظلم من مسلم لكافر؛ قال تعالى:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(المائدة: ٨) وقال -صلى الله عليه وسلم-: