كبير؛ كما أنه يحاول أن يسلب غيره كل المعاني والصفات الكريمة، وها هو علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل تحادثَا، ثم أخذ كل منهما يسلب الآخر ما فيه من صفات الخير.
وقد ظلت المفاخرات والمنافرات جارية في العرب حتى جاء الإسلام؛ فنهى عنها، ومنع التمايز والتفاضل الذي يظنه الناس تمايزًا وتفاضلًا، وحصر التفاضل بين الناس في التقوى والعمل الصالح، وهما لا يعلمهما إلا الله تعالى؛ لأنهما عملان خالصان لله -عز وجل- فلا يجوز التباهي بهما، والتباهي بهما يفسدهما ويذهب بثوابهما.
جـ- الرثاء:
فالعربي القديم كان يتميز بعاطفة جياشة وحس مرهف؛ ولذلك كان يتأثر بشدة عندما تحل به مصيبة، أو تنزل به نازلة؛ فينطلق لسانه معبرًا عما يجيش في نفسه ويختلج في أعماقه، ومن ذلك ما قاله أكثم بن صيفى في تعزيته لعمرو بن هند في أخيه:
"أيها الملك، إن أهل هذه الدار سفر لا يحلون عقد الرحال إلا في غيرها، وقد أتاك ما ليس بمردود عنك، وارتحل عنك ما ليس براجع إليك، وأقام معك من سيظعن عنك ويدعك، واعلم أن الدنيا ثلاثة أيام: فأمس عظة وشاهد عدل؛ فجعك بنفسه، وأبقى لك وعليك حكمه، واليوم غنيمة وصديق أتاك ولم تأتِه، طالت عليك غيبته، وستسرع عنك رحلته، وغد لا تدري من أهله، وسيأتيك إن وجدتك؛ فما أحسن الشكر للمنعم والتسليم للقادر، وقد مضت لنا أصول نحن فروعها؛ فما بقاء الفروع بعد أصولها؟! واعلم أن أعظم من المصيبة: سوء الخلق منها، وخير من الخير معطيه، وشر من الشر فاعله".