ومن ذلك: ما وقع لعامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة العامريين، وحديثهما مشهور، قالوا: إن عامرًا وقف لعلقمة يومًا فجعل ينازعه الشرفَ في قومه، وتفاقم بينهما الأمر، وكان مما قاله عامر: والله لَأَنَا أشرف منك حسبًا وأثبت منك نسبًا وأطول قصدًا، قال علقمة: أنافرك: وإني لبر وإنك لفاجر، وإني لولود وإنك لعاقر، وإني لوفي وإنك لغادر. قال عامر: أنافرك: وإني أنشر منك أُمة، وأطول قمة، وأبعد همة. وطال بينهما الكلام؛ فتواعدَا على الخروج إلى من يحكم بينهما، وجعلَا يطوفان الأحياءَ، وهاب الناس أن يحكِّموا بينهما؛ خيفةَ أن يقع في حييهما الشر؛ حتى دفعَا إلى هرم بن قطبة الفزاري؛ فلما علِمَ بأمرهما أمر بنيه أن يفرقوا جماعة الناس؛ تفاديًا من الفتنة، وجعل يطاولهما ويخوف كل واحد منهما من صاحبه؛ حتى لم يبقَ لواحد منهما هم سوى أن يسوي في حكمه بينهما، ثم دعاهما بعد ذلك والناس شهود؛ فقال لهما: أنتما كركبتي البعير تقعان إلى الأرض معًا وتقومان معًا؛ فرضيَا بقوله وانصرفا عنه إلى حييهما، وقد عمِّر هرم هذا إلى أيام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال عمر:"أيهما كنتَ منفرًا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لو قلتُها الآن لعادت جزعةً -يعني: الفتنة أو الحرب- فقال له عمر: إنك لأهل لموضعك من الرياسة".