ولا يمكن أن يقوم الرسول بهذا التكليف الشاق، وأن يؤدَى على أكمل وجه هذه المهام المتعددة، إلا إذا كان غاية في البيان ومثلًا عاليًا في الفصاحة، كما لا بد أن يكون له امتياز على أولئك الفصحاء الأبيِناء، حتى يظهر فضله موضع فخرهم وأنبل فضائلهم، فلا يتعاظمهم إلا أن يكون الرسول فيه المثل الأعلى، فالبيان هو الوسيلة الناجحة في الإقناع، وإلزام المدعوين الحجة، وحملهم على أن يصدقوا الرسول فيما جاء به، وأن يخجلوا من تكذيبه بعد أن تقوم عليهم الحجة، ويفحمهم البرهان بالفصاحة التي وهبها الله سبحانه لهارون، وقد خاف موسى أن يضيق صدره ولا ينطلق لسانه، حين يكذبه القوم الظالمون، قال حين يكذبه القوم الظالمون فرعون وملؤه:{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ}(الشعراء: ١٢، ١٣) وعبارة القرآن: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}(القصص: ٣٥) رائعة قوية.
ولا شك أن فصاحة هارون كانت العامل الأقوى في شد العضد؛ لأنها هي التي نوه بها موسى وأعلن عن حاجته القصوى إليها، فالفصاحة -إذن- من أقوى الدعائم التي تقوم عليها الرسالات، ومن أهم الوسائل التي يتحقق بها البلاغ.
جـ- الصحابة يصفون بلاغة الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال:((ما سمعت كلمة غريبة من العرب إلا سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسمعته يقول: مات حتف أنفه، وما سمعتها من عربي قبله، وقد وصف النبي مرة سحابة، وأصحابه يسمعون فقالوا له: ما رأينا الذي هو أفصح منك!! فقال: وما يمنعني من ذلك، فإنما أنزل القرآن بلساني، لسان عربي مبين)).