وبأن فضله عليه عظيم، فلا جرم يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الفصاحة مثالًا يحتذى بين قوم يقدسون البيان، كما كان مثالًا يحتذى في مكارم الأخلاق.
فالله سبحانه لا يمتن على رسله إلا بالفضائل الكبرى، ولا يصف فضله بأنه عظيم حتى يكون من ذلك تمييزه الرسول على أقرانه بفصاحة اللسان، وقوة البيان، وربما أشارت إلى ذلك أيضًا الآية الكريمة:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}(الضحى: ٥) فهي لم تذكر ما يعطيه الله لرسوله، أي أن المفعول الثاني ليعطي قد حُذف، وحذف المفعول يُؤذِن بالعموم، فلا شك أن مما أعطاه الله لرسوله -فرضي- البيان، ولا يكون الرضا حتى يكون متفوقًا فيه على غيره من فصحاء العرب.
والبيان فضيلة في كل بيئة وفي كل زمان ومكان، وهو عند العرب في حياة النبي وقبلها فضيلة الفضائل، ثم إن سياق الآية يفيد أن الله سيعطيه جلائل النعم، فبدهي أن الله أعطى لرسوله نعمة البيان على أتم ما تكون، ومما يدل على ذلك ما ورد في الآية الكريمة {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}(النساء: ٦٣) والمعنى: قولًا بليغًا في أنفسهم، أي يغوص فيها ويبلغ غاية ما يراد منها. وقيل: أن المراد بالقول البليغ أن يكون الوعظ بكلام بليغ، وكل المعاني تؤكد أنما يقوله الرسول يتسم بالبلاغة ويمتاز بها.
قال السيد رشيد رضا في تفسيره (المنار): "وفي الآية شهادة للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالقدرة على الكلام البليغ، وهي شهادة له بالحكمة ووضع الكلام في موضعه، وهذا بمعنى إيتاء الله تعالى نبيه داود الحكمة وفصل الخطاب، وما أوتي نبي فضيلة إلا أوتي مثلها خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم. وشهادة الله تعالى له في هذا المقام أكبر شهادة، وقد تكرر في القرآن الكريم ذكر التبيين على أنه بعض الغايات التي أنزل القرآن من