للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: وصف كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه فضل:

وهذا الوصف من أدل الدلائل على البلاغة وسمو الحكمة، فالبليغ الذي ينطق بالكلمة فتُحسم بها الأمور وتنقاد لها العقول، هو صاحب منطق سليم وفكر قويم، وحكمة بارعة وقدرة فذة، على إسكات من يجاذبه الرأي أو يراجعه القول، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك مع لطف الخطاب ولين الجانب وسجاحة الخلق، وهذه أمثلة قليلة ولها نظائر كثيرة في كلامه -صلى الله عليه وسلم.

١ - عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: ((كنت عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: ((احتجبا منه)) فقلت: يا رسول الله، أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: ((أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه)). فالكلمة حاسمة فاصلة، ولذلك لم تستطع واحدة منهما أن تراجع النبي بعدها.

٢ - عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ((لما فتحت مكة قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الغنائم في قريش، فقالت الأنصار: إن هذا لهو العجب، إن سيوفنا تقطر من دمائهم، وإن غنائمنا ترد عليهم، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجمعهم فقال: ما الذي بلغني عنكم؟ قالوا: هو الذي بلغك، وكانوا لا يكذبون فقال: أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا، وفي رواية البخاري: بالشاة والبعير إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟! فقالوا: بلى، فقال: لو سلك الناس واديًا أو شعبًا وسلك الأنصار واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار)).

<<  <   >  >>