للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-: "أما بعد؛ فإن الخير كله في الرضا؛ فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر"، وقال ابن عطاء: الرضا سكون القلب إلى قديم اختار الله للعبد أنه اختار له الأفضل.

هذا؛ والصبر واجب باتفاق العلماء، وأعلى من ذلك الرضا بحكم الله، وقيل عن الرضا: أنه واجب، وقيل: هو مستحب، وقد أجمع العلماء على أن حكمه لا يقل عن الاستحباب.

وأساس الرضا: الإيمان بقدر الله -عز وجل- كما تقدم، واستشعار للطف الله بعباده؛ قال عبد الواحد بن زيد: الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العابدين، وأهل الرضا يلاحظون ثواب المبتلى وخيريته لعبده في البلاء، وأنه غير متهم في قضائه، وتارة يلاحظون ثواب الرضا بالقضاء فينسيهم ألم المقضي به، وتارة يلاحظون عظمة المبتلي وجلاله وكماله فيستغرقون في مشاهدة ذلك، حتى إنهم لا يشعرون بالألم؛ بل ربما يتلذذون بما أصابهم لملاحظة صدوره من حبيبهم.

والرضا والصبر اللذين يثمرهما الإيمان بالقدر إنما هما الرضا بالمقدور من المصائب والنوائب، والصبر على طاعة الله، والصبر عن معصيته، وعلى أنواع المكاره، وليس المقصود الرضا بالكفر والعصيان والفسوق عن أمر الله، ولا الصبر على الذل والضيم؛ فإن الله لا يرضى لعباده الكفر والمعصية والهوان؛ فليكن رضاك تبعًا لرضا ربك وصبرك في طاعة الله وفي سبيله.

إن الرضا بالقدر والصبر على البلاء: الطمأنينة إلى حكم الله -عز وجل-، فهو أهم القواعد التي يقام عليها السكن النفسي، وهي من أبرز الدوافع لانطلاق جميع الطاقة البشرية للعمل في هذه الأرض ضمن منهج الله -عز وجل-، فلا التفات للوراء ولا محطات للتحسر والندم، ولا "لو كان كذا وكذا لكان كذا وكذا"؛ ولكن قدر الله وما شاء فعل.

<<  <   >  >>