خطبتين. وقال الحنفيون والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وابن المنذر:"الشرط خطبة واحدة، والثانية سنة، وهو رواية عن أحمد" وقال الحسن البصري والظاهرية وابن الماجشون المالكي: "الخطبة مستحبة". قال الشوكاني:"وهذا هو الظاهر" وأجاب عن أدلة الجمهور بما ملخصه:
أ- أن استمراره -صلى الله عليه وسلم- على الخطبة في كل جمعة، فهو مجرد فعل لا يفيد الوجوب، فضلًا عن الشرطية.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) لا يدل على وجوب الخطبة؛ لأنها ليست صلاة، بل ولا يدل على وجوب الصلاة على الصفة التي كان يصليها؛ لأنه كان يواظب على أشياء ليست واجبة، كما يدل عليه حديث المسيء صلاته، فإنه لم يعلمه التشهد وكان يواظب عليه.
واستدلالهم بقوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}(الجمعة: ٩) يفيد وجوب الخطبة؛ لأن الذكر ليس نصًّا في الخطبة، بل محتمل لها وللصلاة، وحمله على الصلاة أولى للاتفاق على وجوبها، بخلاف الخطبة ففي وجوبها خلاف، ورُد بأن وجوب الخطبتيْن ظاهر من المواظبة عليهما، وهو بيان لصفة صلاة الجمعة الواجبة، وهذا ظاهر مطابق لقواعد الأصول ودقائق الشريعة المطهرة. وأيضًا فإن صلاة الجمعة وجبت بهذه الصفة التي واظب عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فمن قصر فيها عما كان عليه العمل، فإنه لم يؤد ما وجب عليه، وهو واضح في الشرطية.
ب- بأن تواتر العمل بهذه الصفة من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الآن، والأحاديث الصحيحة بينت هذه الصفة تفصيلًا، فلم يصلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرة بدون خطبتين، وهذه المواظبة المستمرة لا يصح حملها إلا على أنها بيان لهذا الواجب يلحق به في الوجوب.