هاتين السورتين في صبح يوم الجمعة بشرط أن يقرأ غير ذلك أحيانًا؛ لئلا يظن الجاهل أنه لا مجزئ غيره، أو يرى القراءة بغيره مكروهة. وقالت المالكية: يكره تعمد قراءة سورة فيها سجدة في الفريضة، وهو رواية ابن القاسم عن مالك، وروى أشهب عنه جواز قراءة السورة التي فيها السجدة، إذا كان وراء الإمام عدد قليل لا يخاف أن يختلط عليهم".
وقال ابن حبيب: "يجوز قراءة سورة فيها سجدة في الصلاة الجهرية دون السرية؛ لأمن التخليط في الجهرية، ومنهم من علل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض". قال ابن دقيق العيد: "أما القول بالكراهة مطلقًا فيأباه الحديث، لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة فينبغي أن تترك أحيانًا لتندفع، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة، وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات".
ولا وجه للقول بالكراهة مطلقًا أو في الصلاة السرية، بل يرده حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- ((أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد في صلاة الظهر ثم قام فركع، فرأينا أنه قرأ تنزيل السجدة)) أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما، فهو يدل على عدم التفرقة بين السرية والجهرية.
فالراجح أن قراءة هاتين السورتين في صبح يوم الجمعة سنة ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولا وجه للقول بتركها في بعض الأحيان، لخوف اعتقاد العوام الوجوب أو نحوه؛ إذ لا عبرة بتوهم خلاف الوارد، وإلا لتُرك غالب أحكام الشريعة خوف اعتقاد العوام خلاف الوارد، وهو غير معقول.
والحكمة في قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- هاتين السورتين في صبح الجمعة، أنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم وعلى ذكر المعاد وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، فكان في قراءتها في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه وما يكون، فتكون السجدة جاءت تبعًا وليست مقصودة.