وخلقه، والقدر يدل بوضعه -كما يقول الراغب الأصفهاني فيما نقله عنه ابن حجر العسقلاني- على القدرة وعلى المقدور الكائن بالعلم؛ فلله تعالى القدرة المطلقة، وقدرته لا يعجزها شيء، ومن أسمائه -تبارك وتعالى- القادر والقدير والمقتدر، والقدرة صفة من صفاته؛ فالقادر: اسم فاعل من قدر يقدر، والقدير: فعيل منه، وهو للمبالغة، ومعنى "القدير": الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضيه الحكمة، لا زائدًا عليه ولا ناقصًا عنه؛ ولذلك لا يصح أن يوصف به إلا الله -عز وجل-، قال تعالى:{إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(فصلت: ٣٩)، والمقتدر: مفتعل من اقتدر، وهو أبلغ من قدير، ومنه قوله:{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}(القمر: ٥٥).
وقد سئل الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- عن القدر؟ فقال: القدر قدرة الله، قال ابن القيم: وقال الإمام أحمد: القدر قدرة الله، واستحسن ابن عقيل هذا الكلام جدًّا، وقال: هذا يدل على دقة أحمد وتبحره في معرفة أصول الدين.
وهو كما قال أبو الوفا؛ فإن إنكاره إنكار لقدرة الرب على خلق أفعال العباد وكتابتها وتقديرها، وقد صاغ ابن القيم هذا المعنى شعرًا فقال:
فحقيقة القدر الذي حار الورى ... في شأنه هو قدرة الرحمن
واستحسن ابن عقيل ذا من أحمد ... لما حكاه عن الرضا الرباني
والحق أن تعريف أحمد -رحمه الله تعالى- قد كفى وشفى؛ فالقدر يعني ما قرره الله سبحانه في قوله تعالى:{قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}(آل عمران: ١٥٤) وفي قوله: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}(هود: ١٢٣) وغير ذلك من الآيات التي تدل على أنه لا يحدث شيء في الكون إلا بإرادة الله ومشيئته.
قال الطحاوي: وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئتُه تنفذ؛ لا مشيئة للعباد إلا ما شاء الله؛ فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن، لا راد لقضائه؛ ولذا فإن الذين يكذبون بالقدر لا يُثبتون قدرة الله تعالى.