يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: من لم يقل بقول السلف فإنه لا يثبت لله قدرة، ولا يثبته قادرًا، كالجهمية ومن اتبعهم والمعتزلة المجبرة النافية، حقيقة قولهم: أنه ليس قادرًا وليس له الملك؛ فإن الملك إما أن يكون هو القدرة، أو المقدور، أو كلاهما، وعلى كل تقدير فلابد من القدرة؛ فمن لم يثبت له قدرة حقيقة لم يثبت له ملكًا، والذين كذبوا بالقدر لم يوحدوا الله -عز وجل- فإن نفاة القدر يقولون: خالق الخير غير خالق الشر.
ويقول من كان منهم في ملتنا: إن الذنوب الواقعة ليست واقعة بمشيئة الله تعالى، وربما قالوا: ولا يعلمها أيضًا، ويقولون: إن جميع أفعال الحيوان واقعة بغير قدرته ولا صنعه؛ فيجحدون مشيئته النافذة وقدرته الشاملة؛ ولهذا قال ابن عباس: القدر نظام التوحيد؛ فمن وحَّد الله وآمن بالقدر تم توحيده، ومن وحد الله وكذَّب بالقدر نقض تكذيبه توحيده.
وقد تقاطر أهل العلم على تقرير القدر والنص على وجوب الإيمان به، وما من عالم من علماء أهل السنة الذين هم أعلام الهدى وأنوار الدجى إلا وقد نص على وجوب الإيمان به، وبدّع وسفّه من أنكره وردَّه.
يقول النووي -رحمه الله تعالى- في شرحه لأحاديث القدر من (صحيح مسلم): وفي هذه الأحاديث كلها دلالات ظاهرة لمذهب أهل السنة في إثبات القدر، وأن جميع الواقعات بقضاء الله وقدره خيرها وشرها نفعها وضرها.
قال في موضع آخر: تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأهل الحل والعقد من السلف والخلف على إثبات قدر الله -سبحانه وتعالى.
ويقول ابن حجر -رحمه الله تعالى-: مذهب السلف قاطبة أن الأمور كلها بتقدير الله تعالى، كما قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}(الحجر: ٢١).