للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذا يحرم على المسلم ترك الأخذ بالأسباب؛ فلو ترك إنسان السعي في طلب الرزق لكان آثمًا مع أن الرزق بيد الله تعالى، وقد بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الأسباب المشروعة هي من القدر؛ فقيل له: أرأيت رقًى نسترقي بها وتقًى نتقي بها وأدوية نتداوى بها؛ هي ترد من قدر الله شيئًا؟ فقال: ((هي من قدر الله)).

فالالتفات إلى الأسباب واعتبارها مؤثرة في المسببات شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب المأمور بها قدح في الشرع؛ لذا فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتداوي؛ فقد روى أصحاب السنن عن أسامة بن شريك قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير؛ فسلمت ثم قعدت؛ فجاء الأعراب من هاهنا وهاهنا، فقالوا: يا رسول الله، التداوي؟ فقال: ((تداووا؛ فإن الله -عز وجل- لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد: الهرم)).

وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)) وبناء على هذا الأمر بالتداوي قال الفقهاء باستحبابه وبعضهم قال بوجوبه: قال شارح "العقيدة الطحاوية": لقد ظن بعض الناس أن التوكل ينافي الاكتساب وتعاطي الأسباب، وأن الأمور إذا كانت مقدرة فلا حاجة إلى الأسباب؛ وهذا فاسد فإن الاكتساب منه فرض، ومنه مستحب، ومنه مباح، ومنه مكروه، ومنه حرام، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل المتوكلين، يلبس لَأمة الحرب ويمشي في الأسواق للاكتساب.

وهكذا كان فهم الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- للعلاقة بين الإيمان بالقدر وتعاطي الأسباب، وأن هذا التأني داخل في معنى الإيمان بالقدر ولا ينافيه، وإنما هو مقتضى من مقتضياته؛ روى الإمام البخاري أن عمر -رضي الله عنه- لما خرج إلى الشام لقيه

<<  <   >  >>