للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمراء الأمصار، وأخبروه بانتشار الوباء فيها؛ فاستشاروا المهاجرين والأنصار ثم مهاجرة الفتح من مشايخ قريش، فاجتمع المهاجرة على الرجوع بعدًا عن الوباء وأمر بذلك عمر، فقال له أبو عبيدة: أفرارًا من قدر الله؟! أفرأيت لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة؛ أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيتها الجدبة رعيتها بقدر الله؟!.

ولذا بكَّت عمر بن الخطاب جماعة من أهل اليمن كانوا يحجون بلا زاد؛ فذمهم؛ قال معاوية بن قرة: لقي عمر بن الخطاب ناسًا من أهل اليمن فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: بل أنتم المتآكلون؛ إنما المتوكل الذي يُلقِي حبة في الأرض ثم يتوكل على الله.

يقول ابن قيم الجوزية: لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى.

مشيئة الرب ومشيئة العبد:

وقد يقال: إذا كان الله منح العبد الحرية والاختيار؛ فما معنى قوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (التكوير: ٢٨، ٢٩)؟

فنقول: معناها: أن الإنسان لا يشاء شيئًا إلا إذا كان في حدود مشيئة الله وإرادته؛ فمشيئة البشر ليست مشيئة مستقلة عن مشيئة الله، والله قد شاء للإنسان أن يختار أحد الطريقين: طريق الهداية وطريق الضلالة، فإذا اختار الطريق الأول ففي نطاق المشيئة الإلهية، وإذا اختار الطريق الثاني ففي نطاقها أيضًا، وكل الآيات التي جاءت على هذا النحو فمعناها لا يتعدى ما ذكرناه.

<<  <   >  >>