إبراهيم الخليل، عليه السلام- الذي يزعم كل من طائفتي النصارى واليهود أنهم على دينه ومنهجه، ولا يحجون إلى البيت الذي بناه عن أمر الله له في ذلك، ونادى الناس إلى حجه، ولهذا قال تعالى:{مُبَارَكًا} أي وضع مباركًا وهدى للعالمين.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه، عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال:((قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركتك الصلاة فصلِّ، فكلها مسجد)).
وعن علي -رضي الله عنه- في قوله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}(آل عمران: ٩٦) قال: "كانت البيوت قبلة، ولكنه أول بيت وضع لعبادة الله". عن خالد بن عرعرة قال:"قام رجل إلى علي -رضي الله عنه- فقال: ألا تحدثني عن البيت، أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال: لا، ولكنه أول بيت وضع فيه البركة".
وزعم السدي أنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقًا، والصحيح قول علي -رضي الله عنه. وقوله تعالى:{لَلَّذِي بِبَكَّةَ}(آل عمران: ٩٦) بكة: مِن أسماء مكة على المشهور. قيل: سميت بذلك لأنها تَبُك أعناق الظلمة والجبابرة، بمعنى أنهم يُذَلون بها ويخضعون عندها. وقيل: لأن الناس يتباكون فيها، أي: يزدحمون. قال قتادة:"إن الله بكَّ به الناس جميعًا، فيصلي النساء أمام الرجال، ولا يُفعل ذلك ببلد غيرها".
وعن مجاهد: "وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة؛ منها: مكة وبكة والبيت العتيق والبيت الحرام والبلد الأمين، والمأمون وأم رحم وأم القرى، وصلاح والعرش على وزن بدر، والقادس لأنها تطهر من الذنوب، والمقدسة والناسة -بالنون وبالباء أيضًا- والحاطمة والرأس وكوثاء والبلدة والبُنْية والكعبة.