وقوله تعالى:{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ}(آل عمران: ٩٧) أي دلالات ظاهرة أنه من بناء إبراهيم، وإن الله عظمه وشرفه. ثم قال تعالى:{مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}(آل عمران: ٩٧) يعني الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله ولده إسماعيل.
وقد كان ملتصقًا بجدار البيت حتى أخره عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في إمارته إلى ناحية الشرق، بحيث يتمكن الطُواف منه ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف؛ لأن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}(البقرة: ١٢٥) وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى:{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}(آل عمران: ٩٧) أي: فمنهن مقام إبراهيم والمشاعر.
وقال مجاهد:"أثر قدميه في المقام آية بينة". وعن ابن عباس في قوله تعالى:{مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ}(آل عمران: ٩٧) قال: "الحرم كله مقام إبراهيم". ولفظ عمرو:"الحجر كله مقام إبراهيم". وروي عن سعيد بن جبير أنه قال:"الحج مقام إبراهيم" وقد صرح بذلك مجاهد.
وقوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية، كما قال الحسن البصري وغيره:"كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم، فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج". وعن ابن عباس في قوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}(آل عمران: ٩٧) قال: "من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى، فإذا خرج أُخِذَ بذنبه". وقال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}(العنكبوت: ٦٧) وقال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}(قريش: ٣، ٤).