أن الجنة فوق النار، وأن ماءها العذب اللذيذ كثير، فيه فيض وسعة، إلا أنه مع كثرته محرم على الكافرين.
وهكذا يقدم الجدل القرآني صورا متعددة من مناقشة الخصوم، مما جعله أسلوبًا ناجحًا للدعوة، تملك التأثير في الناس وهدايتهم إلى الصواب، فالجدل أسلوب للدعوة، يحتاج الرسل والدعاة إلى معرفة الجدل؛ ليؤثروا في معارضيهم؛ لأن تغيير العقائد ليس أمرًا سهلًا، وقد أعطى الله رسله البيان وأرسلهم بلغة أقوامهم، ومنحهم القدرة على المخاصمة؛ لكي يردوا جدل المعارض ويقنعوا السائل، ويأخذوا بيد الجميع عن طريق المناقشة الحرة العاقلة.
والجدل بالحسنى أسلوب حسن للدعوة، فهو أولًا يبين للداعية بعض ما سوف يصادفه من أعداء دعوته، ويبصره بمشاق الطريق الذي سوف يسلكه، وذلك لأن المعارضين دائمًا يقفون ضد دعوة التغيير، فإذا لاحظنا أن الدعوة الإسلامية تطالب المعاندين بتغيير جذري، يشمل الحياة كلها، لظهر سر قوة المخاصمة وشدة العناد، وإذا ما علم الداعية أنه أمام موقف صلب من الناس، لزمه أن يستعد له بقوة عقلية ونفسية، ويخوض طريقه الصعب صابرًا محتملًَا.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة في هذا المجال، فلقد كان القوم يحاولون هدم رأيه، ويصفونه بمختلف الأكاذيب، ومع ذلك يذكر الجدل أنه كان يقف يرد رأيهم ويثبت ضلالهم. يقول تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}(سبأ: ٤٣). فهؤلاء الكفار حينما سمعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتلو عليهم الآيات البينات، ويذكرهم بالأدلة الواضحة قالوا: إن محمدًا رجل كاذب وساحر، يهدف إلى إبعاد الناس عن دين آبائهم، وقرآنه كلام