ولقد أراد الله تعالى للخير أن يعم الدنيا وأن يندحر الشر والضلال؛ فأذِن بميلاد محمد -صلى الله عليه وسلم- فلقد الله اصطفاه واختاره من أطهر الأنساب؛ قال تعالى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}(الأنعام: ١٢٤)، وقد روى البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)).
كما روى البخاري والبيهقي في (دلائل النبوة): أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((بعثتُ من خير قرون بني آدم، قرنًا فقرنًا، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه)) وقد وُلد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفيل كما تؤكد الروايات، وقد ذكر ابن القيم أنه لا خلاف أنه ولد -صلى الله عليه وسلم- بجوف مكة، وأن مولده كان عام الفيل، وكان أمر الفيل تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته، وإلا فأصحاب الفيل كانوا نصارى أهل كتاب، وكان دينهم خيرًا من دين أهل مكة؛ إذ ذاك؛ لأنهم كانوا عُبَّاد أوثان فنصرهم الله على أهل الكتاب نصرًا لا صنع للبشر فيه، إرهاصًا وتقدمة للنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي خرج من مكة، وتعظيمًا للبيت الحرام.
يقول الدكتور أحمد غلوش: وبالنسبة لميلاد المصطفى في عام الفيل: لأنه -صلى الله عليه وسلم- ولد قبل وقوع الحادثة بخمسين يومًا، فمن أجل أن يدرك الناس أن قدرة الله الغائبة عنهم تتصل بكل موجود، وكل ما في الكون قدر إلهي محض، وإذا أراد الله شيئًا قال له:"كن" فيكون؛ حتى إذا جاءهم محمد -صلى الله عليه وسلم- علموا أنه المبعوث لهم من الله تعالى، ومن أين للناس أن يدركوا هذه الأسرار في يوم مولده -صلى الله عليه وسلم؟!.
إن هذه الحكم وهذه الأسرار لم ترتبط وقتها في أذهان من رآها ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- ورسالته، ويكفي أنها تحرك الأذهان نحو عدم تأليه من يزول ويتغير، مثل النار المنطفئة أو البيوت المكسورة أو الأصنام المهتزة؛ وليتأكدوا من وجود قوة قاهرة