وبابها يدعو الله أن يحمي بيته ويهلك الجيش الغازي، وهذا النوع من إيمان المشركين قال الله فيه:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}(يوسف: ١٠٦).
تاسعًا: قوة الكافر وحشده مهما عظمت وكثرت لا تقف لحظة واحدة أمام قدرة الله وبطشه ونقمته: فهو سبحانه واهب الحياة وسالبها في أي وقت شاء، والمؤمن يؤمن بهذه الحقيقة ويعتمد عليها بعد الأخذ بالأسباب؛ قال الله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}(الطلاق: ٣) وقال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(آل عمران: ١٢٢).
ومن قدرته سبحانه أن يضع القوة العظيمة في الطير الصغير ويسلب القوة العظيمة من الفيل الكبير.
عاشرًا: في هذه الحادثة توجيه أنظار الناس في الجزيرة العربية وخارجها إلى بيت الله الحرام بمكة، باعتباره المكان المقدس الذي تكفل الله بحفظه وحمايته من عبث العابثين وكيد الكائدين، وطريق حفظه كانت بمعجزة خارقة للعادة لا يملك البشر مثلها، وإيماء إلى مستقبل هذا البيت وميلاد هذا النبي الذي ارتبط بهذه المعجزة؛ إذ ولد في عامها وأنه سيحررها الله على يديه من الأصنام البشرية والحجرية.
حادي عشر: وفي حادثة الفيل دلالة: وهي أن الله لم يقدر لأهل الكتاب أبرهة وجنوده أن يدمروا البيت الحرام وأن يسيطروا على الأرض المقدسة، حتى والشرك يدنسه والمشركون هم سدنته ليبقى هذا البيت عتيقًا من سلطان المتسلطين مصونًا من كيد الكائدين، وليحفظ لهذه الأرض حريتها حتى تنبت فيها العقيدة حرة طليقة لا يهيمن عليها سلطان ولا يطغى فيها طاغية، ولا يهيمن على هذا الدين الذي جاء ليهيمن على الأديان وعلى العباد، ويقود البشرية ولا يقاد، وكان هذا من تدبير الله لبيته ولدينه قبل أن يعلم أحد أن نبي هذا الدين قد ولد في هذا العام.