- وظهرت بركته في شياههم العجفاوات التي لا تدر شيئًا، وإذا بها تفيض من اللبن الكثير الذي لم يعهد.
ثانيًا: إن هذه البركات من الله -تبارك وتعالى- على حليمة وأهلها؛ لحكمة هي أن يحب أهل هذا البيت هذا الطفل، ويحنوا عليه ويحسنوا معاملته ورعايته وحضانته: وهكذا كان؛ فقد كانوا أحدب عليه وأرحم به من أبنائهم.
ثالثًا: الخيرة فيما اختاره الله: لقد كانت حليمة السعدية ترغب عن حضانة أي طفل يتيم، وترغب في رضاعة غيره فمن له أب يكافئها مكافأة جزلة ويعطيها أجرًا يغنيها، هذا هو ظنها، ولكن لم تجد بغيتها، واختار الله لها هذا الطفل محمدًا الذي أخذته على مضض؛ لأنها لم تجد غيره وصواحبها قد أخذن ما يرضعن؛ فكان الخير كل الخير فيما اختار الله وظهرت نتائج هذا الاختيار.
وهذا درس للدعاة يستفيدون منه: إذ عليهم بعد الأخذ بالأسباب أن تطمئن نفوسهم إلى قدر الله واختياره، والرضا به والقناعة بجدواه والتوفيق منه، ولا تذهب أنفسهم حسرات على ما فاتهم.
رابعًا: لقد كان لفترة الرضاعة في بني سعد أكثر من فائدة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: فالبادية في ظروفها، والحياة التي يحياها أهلها حياة شظف في العيش ليس فيها ترف ولا سرف، والرسول -صلى الله عليه وسلم- تربى على هذا الشظف في العيش وكان بعيدًا عن الترف والسرف والمخيلة، بحكم هذه البيئة القاسية في عمومها، وهذه البيئة النقية في جوِّها تكسب الجسم قوة، وكذلك السمع والبصر، والأفق رحب فسيح والجو خال من الضجيج، وهذه البيئة يعيش أهلها يتكلمون بلغتهم التي لا تشوبها شائبة ولا يختلط بها غيرها من اللهجات بخلاف المدينة؛ فتعلّم فصاحة بني سعد في اللغة؛ فهو كما قال:((أنا أعربكم)) وهذه البيئة تعلمه التعاون والتعاطف والحب لمن أحسن إليه ورباه.