((إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوه لما أرها لخلق قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرَها من على أحد قط، فأقبلا إليَّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي لا أجد لأحدهما هامسًا، فقال أحدهما للآخر: اضجعه فأضجعاني، بلا قسر ولا هصر، وقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره. فهوى أحدهما على صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع؛ فقال له: ادخل الرأفة والرحمة؛ فإذا مثل الذي أدخل يشبه الفضة، ثم هز إبهام رجلي اليمنى فقال: اغدُ وأسلم؛ فرجعت بها أغدو رقة على الصغير ورحمة للكبير)).
ثم تكررت حادثة شق صدر النبي -صلى الله عليه وسلم- قبيل البعثة عند الكعبة؛ فقد روى أنس بن مالك أنه:"لما حان أن يتنبأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينام حول الكعبة وكانت قريش تنام حولها، فأتاه جبريل وميكائيل، فقالَا: بأيهما أمرنا؟ فقال: أمرنا بسيدهم، ثم ذهبا وجاءا من القابلة وهم ثلاثة، فألقوه وهو نائم، قلبوه لظهره وشقوا بطنه، ثم جاءوا بماء زمزم فغسلوا ما كان في بطنه، ثم جاءوا بطست من ذهب قد ملئت إيمانًا وحكمة؛ فمُلئ بطنه وجوفه إيمانًا وحكمة".
وقصة شق الصدر هذه تشير إلى تعهد الله -عز وجل- نبيه -صلى الله عليه وسلم- منذ صغره، وعلى امتداد عمره -صلى الله عليه وسلم- وإبعاده عن مزالق الطمع ووساوس الشيطان، وتلك حصانة حسية للرسول -صلى الله عليه وسلم- أضفاها الله عليه ليعيش طاهر الظاهر والباطن بتوفيق الله تعالى.
إن الله -سبحانه وتعالى- قد شاءت إرادته منذ الأزل أن يكون محمد خاتم المرسلين، أراد سبحانه أن يجعل منه المثل الأعلى للإنسان السوي الذي يسير نحو الكمال بطهارة القلب وتصفية النفس، وأحاديث شق الصدر صحيحة بالسند أجمعت عليها سائر مؤلفات السيرة فلا مجال للشك في سندها، ولا يصح لمسلم أن يشكك في هذه