الروايات الصحيحة ويدعي أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قال بها وهو طفل صغير لا يتحمل الرواية.
إن شق صدر النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لإخراج حظ النفس والشيطان من قلبه، لقد كان بوسع القدر الإلهي أن يضع في محمد -صلى الله عليه وسلم- ما يشاء الله له من فضل وخير بصورة معنوية غير مدركة بالحواس؛ ولكن الله أراد له هذه الصورة الحسية ليشهد الناس على هذه العجيبة الخالدة التي جعلت من محمد إنسانًا قويًّا شجاعًا طاهرًا نظيف الظاهر والباطن.
ولا نستطيع القول بأن حظ الشيطان مرتبط في النفس بجزء مادي أو غدة معينة؛ لأن هذا مما يستحيل تحديده، وكل ما يمكن الإشارة إليه أن شق صدر محمد -صلى الله عليه وسلم- من عناية الله به؛ ليترقى في الطهر ويسمو في السلوك ويعلو في روحانيته وشفافيته، ويقترب في نورانيته من الروح والملأ الأعلى.
وليست الحكمة من هذه الحادثة -والله أعلم- استئصال غدة الشر في جسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ لو كان الشر منبعه غدة في الجسم أو علقة في بعض أنحائه لأمكن أن يصبح الشرير خَيِّرًا بعملية جراحية؛ ولكن يبدو أن الحكمة هي إعلاء أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتهيئته للعصمة والوحي منذ صغره بوسائل مادية ليكون ذلك أقرب إلى إيمان الناس به وتصديقهم برسالته.
إنها إذن عملية تطهير معنوي؛ ولكنها اتخذت هذا الشكل المادي الحسي ليكون ذلك الإعلان الإلهي ظاهرًا بين أسماع الناس وأبصارهم وعلى مستوى تصوراتهم، وأيًّا كانت الحكمة فلا ينبغي -وقد ثبت الخبر ثبوتًا صحيحًا- محاولة البحث عن مخارج لصرف الحديث عن ظاهره وحقيقته والذهاب إلى التأويلات الممجوجة البعيدة المتكلفة.