وإذا كان الناس ليسوا أصحاب أموال -وإنما هم من المستهلكين- أقبلوا عليه يشترون منه ويبيعونه بثقة لأمانته وصدقه، وصفة الأمانة والصدق في التجارة عند محمد -صلى الله عليه وسلم- هي التي رغبت خديجة في أن تعطيه مالها؛ ليتاجر به ويسافر به إلى الشام، فوُفقت في ذلك توفيقًا لم توفق مثل هذا التوفيق مع غيره -صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: التجارة مورد من موارد الرزق، التي سخرها الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة:
وكان يدربه على فنون التجارة عمه أبو طالب، فقد سافر معه وتعرف على تجار الشام، والبضائع الرائجة عند أهل الشام، والبضائع الرائجة عند أهل مكة، والتاجر الصدوق الأمين في هذا الدِّين يُحشر مع الصديقين والشهداء والنبيين، وهي تدل على دين الرجل وأمانته، فإن التعامل بالدينار والدرهم يعرف به دِين الرجل، فإما الوفاء والصدق، وإما المماطلة والمراوغة، ومن ثم ولوغ الناس في عرضه وتشويه سمعته.
وهذه المهنة تقع ضمن المهن الحرة التي لا يقع صاحبها تحت إرادة الآخرين، واستعبادهم وقهرهم وإذلالهم.
ثالثًا: زواج النبي -صلى الله عليه وسلم- من خديجة كان بتقدير الله:
ولقد اختار الله لنبيه زوجة تناسبه وتؤازره، وتخفف عنه ما يصيبه، وتعينه على حمل رسالته، بالوقوف في جانبه وتأييده، فلقد بذلت مالها كله لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولقد آمنت به وكفر الناس، وصدقته حين كذبه الناس، ولقد شهد لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال:((لقد آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد ولم يرزقني من غيرها)).