إن نداءات الملائكة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعجبه مما يسمع، دفعه إلى معرفة شيء من أسرار ما يسمع، ولذلك كان يرجع لخديجة يقص عليها ما رأى، وكانت خديجة -رضي الله عنها- خير معين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسمع منه، وتجتهد في معرفة أسباب ذلك، وتسأل أهل الكتاب عن خبر ما يسمع، فتخبر زوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما يُسرِّي عنه ويطمئنه.
وكانت تبحث عن أسرار ما يرى لتطمئن عليه وتطمئنه -رضي الله عنها، قالت له مرة:((يا بن عمي أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم. قالت: فإذا جاءك فأخبرني به، فجاءه جبريل فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني، فقالت: قم يابن عمي، فاجلس على فخذي اليسرى، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: فتحول فاقعد على فخذي اليمنى، فتحول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجلس على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم، فحسرت فألقت خمارها، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في حجرها، ثم قالت: هل تراه؟ قال: لا. قالت: يابن عمي اثبت وأبشر، فوالله إنه لملك، ما هذا شيطان)).
٣ - كلام الشجر والحجر:
يروي ابن سعد بسنده ((أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أراد الله كرامته وابتدائه بالنبوة، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يَرى بيتًا، ويفضي إلى الشعاب وبطون الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله، وكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه، فلا يرى أحدًا)).
روى الإمام مسلم عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:((إني أعرف حجرًا كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن)).