والوصول إلى المراتب العظيمة، والارتفاع إلى المنازل العالية لا يكون بيسر وسهولة، ولكن بمعاناة ومشقة، وهذا ما تشير إليه ضم جبريل -عليه السلام- لرسولنا -صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ منه الجهد، وإن كانت الدعوة تحتاج إلى جهد ومشقة ومكابدة، فتلَقِّي الوحي كذلك كان غالبه بجهد ومشقة ومكابدة، كما أشار إليه قوله -صلى الله عليه وسلم، وقد سئل:((كيف يأتيك الوحي؟ فقال: أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قاله، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا، فيكلمني فأعي ما يقول، قالت عائشة -رضي الله عنها: ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا)).
وفي الحديث من الفوائد والآثار الإيمانية:
١ - فضل اعتزال أهل السوء والمعاصي، وبركة الخلوة من أجل العبادة والتقرب إلى الله -عز وجل، ودل عليها كذلك قول الله -سبحانه وتعالى- حاكيًا عن إبراهيم -عليه السلام:{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا}(مريم: ٤٨، ٤٩).
٢ - فضل الرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو تُرَى له، فقد كانت الرؤيا الصالحة بداية إشراق شمس النبوة، فما زال النور يتسع حتى أشرقت شمس النبوة.
٣ - فضل أُمِّنا خديجة -رضي الله عنها- وكيف أنها مثال للزوجة الصالحة، التي تعين زوجها على العبادة والطاعة، وكيف تستقبل الزوجة زوجها إذا عاد مهمومًا، وكيف تسعى لتفريج همه وتنفيس كربه، فخففت عنه أولًا بأن من اتصف بالصفات الفاضلة، لا يمكن أن يخزيه الله، بل لابد أن يرفعه