للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم صنف الميانجي أبو حفص عمر بن عبد المجيد (ت ٥٨٠) جزءًا سماه "ما لا يسع المحدث جهله" وهو رسالة مختصرة، وصفها الدكتور الطحان بشكل يبدو أن المصنف لم يجد في تصنيفها، وأن اسمها لا يناسب مادتها (١).

وكان طابع الجمع في هذه التآليف بارزًا ظاهرًا، فقد عمد المصنفون إلى نقل أقوال أئمة الفن في كل مسألة بأسانيدهم، ووضعوا لكل مجموعة منها عنوانًا يدل على مضمونها، معتمدين على القارئ في فهمها وإدراك مراميها، سوى شيء يسير من الإِيضاح والمناقشة (٢).

إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمر وابن الصلاح الشهروزوري نزيل دمشق (ت ٦٤٣). وقد وجد ابن الصلاح لديه تراثًا كبيرًا خلفه العلماء في علوم الحديث، إلا أنه لم يستكمل أركان التصنيف متكاملة، فأكب على هذه الذخائر يفحصها بعين الفقيه المجتهد المتعمق في الفهم والاستنباط، ويزن عباراتها بميزان الأصول الضابط للحدود والتعاريف، وجمع كتابه "علوم الحديث" الشهير بـ "مقدمة ابن الصلاح" لما تولى تدريس الحديث، بالمدرسة الأشرفية، على طريق الإِملاء شيئًا بعد شيء، فلهذا لم يحصل ترتيبه على الموضع المناسب، واجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فجاء كتابًا متكاملًا في فن التصنيف، وكان فاتحة عهد جديد في تدوين علوم الحديث. ويعتبر دور ابن الصلاح دور النضج والاكتمال في تدوين فن علوم احديث، وكان هو رائد هذا التحول العظيم في تدوين هذا الفن (٣).


(١) انظر: الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث، ص ٤٤٧.
(٢) انظر: منهج النقد، ص ٦٥.
(٣) انظر: المدخل إلى علوم الحديث لابن الصلاح، ص ٢٧؛ ومنهج النقد، ص ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>