للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجوابه من وجهين:

أحدهما: أنَّ الَّلفظ إنَّما يدل على الخُلْد، وهو أعمُّ من الدَّوام الَّذي لا انقطاع له، فإنَّهُ في اللغة: المُكْثُ الطَّويل. ومكث كل شيء بحسبه، ومنه قولهم: رجل مخلَّد. إذا أَسَنَّ وكَبر، ومنه قولهم لأثافيِّ (١) الصخور: خَوالِد. لطول بقائها بعد دروس الأطلال. قال:

إلَّا رمادًا هامِدًا دفعت ... عنه الرياح خوالدٌ سَحْم (٢)

ونظير هذا إطلاقهم القديم على ما تقادم عهده، وإن كان له أوَّل، كما قال تعالى: {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) } [يس: ٣٩] (٣) ، وَ {إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) } [الأحقاف: ١١]، وقد أطلق تعالى الخلود في النَّارِ على عذاب بعض العصاة، كقاتل النفس، وأطلقه النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على قاتل نفسه.

الوجه الثاني: أنَّ العلم بانقطاع الدنيا ومجيء الآخرة، إنَّما يعلم بالوحي، ولم يتقدَّم لآدم عليه الصلاة والسلام نُبُوَّة يُعْلَمُ بها ذلك، وهو وإنْ نبَّأهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى وأوحى إليه، وأنزل عليه صُحُفًا، كما في حديث أبي ذرٍّ (٤) -رضي اللَّه عنه-، لكن هذا بعد إهباطه إلى الأرض


(١) الأُثْفيَّة: أحدُ أحجار ثلاثة توضع عليها القدر. المعجم الوسيط ص (٢٦).
(٢) * انظر: ديوان المخبَّل السعدي: ضِمْن كتاب شعراء مقلُّون ص (٣١٢) *.
(٣) وقع في المطبوعة هنا زيادة {إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥)} [يوسف: ٩٥].
(٤) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٢/ ١٥٧ - ١٥٨) مختصرًا. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" رقم (٣٦١)، وفي "المجروحين" (٣/ ١٢٩ - ١٣٠)، وأبو نعيم في "الحلية": (١/ ١٦٦ - ١٦٨) مطوَّلًا.
وفيه إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، كذَّبه أبو حاتم وأبو زرعة =