للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد بيَّنَّا أنَّ الأمرَ كان (١) لآدم وزوجه وعدوهما، فلو كانت الجنَّة في السماء لما كان عدوُّهما متمكنًا منهما (٢) بعد إهباطه الأوَّل؛ لمَّا أبى السُّجود لآدم عليه السلام، فالآية إذًا من أظهر الحُجَجَ عليكم، ولا تغني عنكم وجوه التَّعَسُّفَات والتكلفات التي قدَّرتُمُوها، وقد تقدمت.

وأمَّا قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [البقرة: ٣٦]، فهذا لا يدلُّ على أنَّهم لم يكونوا قبل ذلك في الأرضِ؛ فإنَّ الأرضَ اسمُ جنسٍ، وكانوا في أعلاها وأطيبها وأفضلها، في محل لا يدركهم فيه جوع ولا عُري ولا ظمأ ولا ضحى، فأُهْبِطوا إلى أرضٍ يعرض فيها ذلك كله، وفيها حياتهم وموتهم، وخروجهم من القبور، والجنَّة التي أسكناها لم تكن دار نصبٍ ولا تعبٍ ولا أذًى، والأرض التي أهبطوا إليها هي محل التعب والنصب، والأذى وأنواع المكاره.

وأمَّا قولكم: إنَّه سبحانه وتعالى وصفها بصفاتٍ لا تكون في الدنيا.

فجوابه: أنَّ تلك الصِّفات لا تكون في الأرضِ التي أهبطوا إليها، فمن أين لكم أنَّها لا تكون في الأرضِ التي أُهْبِطوا منها.

وأمَّا قولكم: إنَّ آدم عليه السلام كان يعلم أنَّ الدنيا مُنْقَضِية فانية، فلو كانت الجنَّة فيها لَعَلِمَ كَذِبَ إبليس في قوله: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} [طه: ١٢٠].


(١) ليس في "أ، ج".
(٢) في "أ، ب، جـ": "منها".