للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه غراسًا في تلك الأرضِ، وكذا بناءُ البيوت فيها بالأعمال المذكورة، والعبد كلَّما وسَّع في أعمال البر (١) وُسِّعَ له في الجنَّة، وكلَّما عمل خيرًا غُرِسَ له به هناك غِراس، وبُنِيَ له به بناء (٢) ، وأُنْشئ له من عمله أنواع ممَّا يتمتعَّ به، فهذا القدرُ لا يدلُّ على أنَّ الجنَّة لم تخلق بعد، ولا يسوغ إطلاق ذلك.

وأمَّا احتجاجكم بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] فإنَّما أُتِيتُم من عَدَم فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنَّة والنَّارِ الآن نظير احتجاج إخوانكم بها على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما (٣) ، فلا أنتم وُفِّقْتُم لِفَهْمِ معناها ولا إخوانكم، وإنَّما وُفَّقَ لفهم معناها السلف، وأئمة الإسلامِ، ونحن نذكر بعض كلامهم في الآية.

قال البخاري في "صحيحه": "يقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}: إلَّا ملكه، ويقال: إلَّا ما أُريد به وجهه" (٤) .

وقال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد اللَّه: "فأمَّا السَّماء والأرض فقد زالتا؛ لأنَّ أهلها صاروا إلى الجنَّة وإلى النَّار، وأمَّا العرش فلا يَبيدُ ولا يذهبُ؛ لأنَّهُ سَقْفُ الجنَّة، واللَّهُ سبحانه وتعالى عَلَيْهِ، فلا يَهلك ولا يبيد.


(١) ليس في "ب".
(٢) في "ب": "وبنى له بيتًا"، ووقع في "ج، د": "له بناء".
(٣) وقع في "أ": "فنائها، وخرابها وموت أهلها" بالإفراد.
(٤) انظر: صحيح البخاري: (٦٨) التفسير (٢٦٢)، باب: تفسير سورة القصص: (٤/ ١٧٨٨).