للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه خمس آفات من آفات خمر الدنيا: تغتال العقل، وتكثر الَّلغو على شربها؛ بل لا يطيب لشرابها ذلك إلَّا بالَّلغو، وتنزف في نفسها، وتنزف المال، وتصدِّع الرَّأس، وهي كريهة المذاق. وهي رجس من عمل الشيطان، توقع العداوة والبغضاءِ بين النَّاسِ، وتصُد عن ذكر اللَّهِ وعن الصلاة، وتدعو إلى الزِّنا، وربما دعتْ إلى الوقوع على البنت والأُخت وذوات المحارم، وتُذْهِب الغَيْرة، وتورث الخِزْي والنَّدامة والفضيحة، وتُلْحِق شاربها بأنقص نوع الإنسان: وهم المجانين، وتسلبه أحسن الأسماءِ والسماتِ، وتكسوهُ أقبح الأسماء والصفاتِ، وتسهِّل قتل النَّفس، وإفشاء السرِّ الَّذي في إفشائه مضرَّته أو هلاكه، ومؤاخاة الشياطين في تبذير المالِ، الَّذي جعله اللَّهُ قيامًا له، ولمن (١) تلزمه مؤنته، وتهتك الأستار، وتظهر الأسرار، وتدلُّ على العورات، وتهوِّن ارتكاب القبائح والمآثم، وتخرج من القلب تعظيم المحارم، ومُدْمِنها كعابدِ وثنٍ، وكم أهاجت من حرْبٍ، وأفقرتْ من غنيٍّ، وأذلَّتْ من عزيز، ووضعتْ من شريفِ، وسلبتْ من نعمة، وجلبتْ من نقمة، ونسختْ مودَّة، ونسجتْ عداوة، وكم فرَّقتْ بين رجلٍ وحِبِّهِ فذهبت بقلبه، وراحت بلُبِّهِ، وكم أورثتْ من حسرةٍ وأجرتْ من عَبْرة، وكم أغلقتْ في وجه شَاربها بابًا من الخير، وفتحت له بابًا من الشرِّ، وكم أوقعت في بليَّه، وعجَّلت من منية، وكم أورثت من خزية، وجرَّت على صاحبها (٢) من محنة، وجرأت عليه من سَفَلةٍ، فهي جماع


(١) في "ب، ج، د": "ولم".
(٢) في "ب، ج، د، هـ" ونسخة على حاشية "أ": "شاربها".