للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجاب آخرون: بأنَّه يشوى خارج الجنة، ثم يؤتى به إليهم.

والصواب: أنه يشوى في الجنة بأسباب قدرها العزيز العليم (١) لإنضاجه وإصلاحه، كما قَدَّرَ هناك أسبابًا لإنضاج الثمر والطعام، على أنَّه لا يمتنع أن يكون فيها نار تصلح ولا تفسد شيئًا.

وقد صح عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "مجامرهم الأَلُوَّةُ" (٢) ، و"المجامر": جمعِ مَجْمَر، وهو البخور الذي يتبخر بإحراقه. و"الألوة": العود المُطرَّى. فأخبر أنهم يتجمرون به، أي: يتبخرون بإحراقه، لتسطع لهم رائحته.

وقد أخبر سبحانه أنَّ في الجنَّة ظلالًا، والظلال لا بُدَّ أنْ تفيء ممَّا يقابلها فقال: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (٥٦) } [يس: ٥٦].

وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (٤١) } [المرسلات: ٤١].

وقال تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (٥٧) } [النساء: ٥٧].

فالأطعمة والحلوى والتَّجمر تستدعي أسبابًا تتم بها، واللَّه سبحانه خالق السَّبب والمُسَبَّب، وهو رب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو، وكذلك جعل لهم سبحانه أسبابًا تُصَرِّف الطعام من الجشاء والعرق الذي يفيض من جلودهم، فهذا سبب إخراجه، وذاك سبب إنضاجه، وكذلك يجعل في أجوافهم من الحرارة ما يطبخ ذلك الطعام ويُلطِّفه، ويهيئه لخروجه رشحًا وجشاءً، وكذلك ما هناك من الثمار


(١) في "هـ": "الحكيم".
(٢) تقدم في (ص/ ٢٣١).