للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفواكه يخلق لها من الحرارة ما يُنْضِجها، ويجعل سبحانه أوراق الشجر ظلالًا، فربُّ الدنيا والآخرة واحد، وهو الخالق بالأسباب والحِكَم ما يجعله (١) في الدنيا والآخرة، والأسباب مظهر أفعاله وحكمته؛ ولكنَّها تختلف، ولهذا يقع التعجب من العبد لورود أفعاله سبحانه على أسباب غير الأسباب المعهودة المألوفة، وربما حمله ذلك على الإنكار والكفر، وذلك محض الجهل والظلم؛ وإلَّا فليست قدرته سبحانه وتعالى مقصّرة عن أسباب أُخَر؛ وَمُسَبِّبَات ينشئها منها؛ كما لم يقصر في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته، وليس هذا بأهون عليه من ذلك.

ولعل النشأة الأولى التي أنشأها الرب سبحانه وتعالى فيها بالعيان والمشاهدة = أعجب من النشأة الثانية التي وعدنا بها إذا تأملها اللبيب. ولعل إخراج هذه الفواكه والثمار من بين هذه التربة الغليظة، والماء والخشب والنوى (٢) المناسب لها = أعجب عند العقل من إخراجها من بين تربة الجنة ومائها وهوائها.

ولعل إخراج هذه الأشربة التي هي غذاء ودواء وشراب ولذَّة من بين فرث ودم، ومن فِيِّ (٣) ذُبَابٍ = أعجب من إجرائها أنهارًا في الجنة بأسباب أُخر.


(١) في "ب، د": "يخلقه".
(٢) في "ب، د، هـ": "الهواء".
(٣) في "أ، ب، ج": "قِيِّ"، ويعني بالذباب: النحل.