للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممَّا يُحْذرُ منه ويُخاف من عواقبه، وهذه خمرةُ الدنيا المحرمة المستولية على كلِّ بَلِيَّةِ قد أعدَّها اللَّهُ تعالى لأهل الجنَّة منزوعة البلية، مُوَفَّرة (١) الَّلذة، فلمَ لا يجوزُ أنْ يكون على مثله الولدُ؟ انتهى كلامه" (٢) .

قلتُ: النَّافون للولادة في الجنَّة لم ينفوها لزيغ في قلوبهم، ولكن لحديث أبي رزين "غيرَ أنْ لا توالد" وقد حكينا قول (٣) عطاء وغيره "أنَّهنَّ مطهرات من الحيض والولد" (٤) .

وقد حكى الترمذي عن أهل العلم من السلف والخلف في ذلك قولين، وحكينا قول إسحاق بإنكاره، وقال أبو أُمامة رضي اللَّهُ عنه في حديثه: "غيرَ أنْ لا مَنيَّ ولا منيَّة"، والجنَّة ليست دار تناسل، بل دار بقاء وخلد، لا يموت من فيها فيقوم نسله مقامه.

وحديث أبي سعيد الخدري هذا أجودُ أسانيده إسنادُ الترمذي، وقد حكم بغرابته، وأنَّه لا يُعْرف إلَّا من حديث أبي الصِّديق النَّاجي، وقد اضطرب لفظه: فتارةً يروى عنه: "إذا اشتهى الولد وتارة: "إنَّه ليشتهي الولد وتارةً: "إنَّ الرجل من أهل الجنَّة ليولد له" فاللَّه أعلمُ، فإنْ كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد قاله، فهو الحقُّ الَّذي لا شكَّ فيه، وهذه الألفاظ لا تنافي بينها، ولا تُناقِضُ حديث أبي رزين "غيرَ أنْ لا توالد"


(١) في "ب": "مغفورة".
(٢) ذكره البيهقي في البعث والنشور ص (٢٢٠ - ٢٢١) رقم (٤٤٢).
(٣) في "هـ": "من قول".
(٤) تقدم ص (٥٣٧).