للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} يدلُّ على غايةِ عظمته، وأَنَّه أكبرُ من كلِّ شيءٍ، وأنَّه لعظمته لا يُدْرَك بحيث يُحَاطُ به، فإنَّ الإدراك هو: الإحاطة بالشيء، وهو قدرٌ زائدٌ على الرؤية، كما قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا} [الشعراء: ٦١، ٦٢] فلم ينفِ موسى الرؤية، ولم يريدوا بقولهم: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} إنَّا لمرْئِيُّون؛ فإنَّ موسى - صلوات اللَّه وسلامه عليه - نفى إدراكهم إيَّاهم بقوله: {كَلَّا} وأخبر اللَّه سبحانه أنَّه لا يخاف دركهم بقوله: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (٧٧) } [طه: ٧٧]. فالرؤية والإدراك كلٌّ منهما يوجد مع الآخر وبدونه، فالربُّ تعالى يُرى ولا يُدْرَكُ، كما يعلمُ ولا يحاط به، وهذا هو الَّذي فهمته الصحابة والأئمة من الآية.

قال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] لا تُحِيطُ به الأبصار" (١) .

وقال قتادة: "هو أعظمُ من أنْ تدركه الأبصار" (٢) .

وقال عطية: "ينظرون إلى اللَّهِ ولا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره يحيط بهم، فذلك قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} " (٣) .


(١) أخرجه الطبري في تفسيره (٧/ ٢٩٩) بلفظ: "لا يحيط بصر أحد بالملك".
وسنده ضعيف جدًا.
(٢) أخرجه الطبري (٧/ ٢٩٩) وسنده صحيح.
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (٢٩/ ١٩٢). وعطية هو العوفي.