للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالمؤمنون يرون ربهم -تبارك وتعالى- بأبصارهم عيانًا، ولا تدركه أبصارهم، بمعنى أنها لا تحيط به، إذ كان غير جائز أن يوصف اللَّه عز وجل بأن شيئًا يحيط به، وهو بكل شيء محيط، وهكذا يُسْمِعُ كلامه من شاء من خلقه، ولا يحيطون بكلامه، وهكذا يُعلَّم الخلق ما علمهم، ولا يحيطون بعلمه.

ونظير هذا استدلالهم على نفي الصفات بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، وهذا من أعظم الأدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جلاله، وأنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مِثْلٌ فيها، وإلا فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى بهذا المدح منه، مع أن جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل: فلان لا مِثْلَ له وليس له نظير، ولا شبيه ولا مثل = أنَّه قد تَمَيَّز عن الناس بأوصافٍ ونعوت لا يشاركونه فيها، وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله، وبعد عن مشابهة أضرابه، فقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} من أدلِّ شيءٍ على كثرة نعوته وصفاته.

وقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] من أدلِّ شيءٍ على أَنَّهُ يُرى ولا يُدرك.

وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤)} [الحديد: ٤]، من أدلِّ شيءٍ على مباينة الرَّبِّ لخلقه؛ فإنه لم يخلقهم في ذاته بل