للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: ٩٦].

قال شيخ الإسلام: "وهذا قاله جهم لأصله الَّذي اعتقده: وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث، وهو عمدة أهل (١) الكلام التي استدلُّوا بها على حدوث الأجسام، وحدوث ما لم يحل من الحوادث، وجعلوا ذلك عمدتهم في حدوث العالم، فرأي الجهم: أن ما يمنع من حوادث لا أول لها في الماضي يمنعه في المستقبل. فدوام الفعل ممتنع عنده على الرب تعالى في المستقبل، كما هو ممتنع عليه في الماضي.

وأبو الهُذَيل العلَّاف -شيخ المعتزلة- وافقه على هذا الأصل؛ لكن قال: إن هذا يقتضي فناء الحركات، لكونها متعاقبة شيئًا بعد شيء. فقال بفناء حركات أهل الجنة والنار، حتى يصيروا في سكون دائم لا يقدر أحد منهم على حركة.

وزعمت فرقة ممن وافقتهم على امتناع حوادث لا نهاية لها: أن هذا القول مقتضى العقل، لكن لما جاء السمع ببقاء الجنة والنار قلنا بذلك.

وكأنَّ هؤلاء لم يعلموا أن ما كان ممتنعًا في العقل لا يجيء الشرع بوقوعه، إذ يستحيل عليه أن يخبر بوجود ما هو ممتنعٌ في العقل،


(١) في جميع النسخ "أصل"، والمثبت من نسخةٍ على حاشية "د"، وكتاب شيخ الإسلام في هذه المسألة ص (٤٤).