للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقًّا، وبنوا عليه القول بخلق القرآن، ونفي الصفات، وقد دلَّ القرآن والسنَّة والعقل الصريح على أنَّ كلمات اللَّه وأفعاله لا تتناهى، ولا تنقطع بآخرٍ، ولا تُحدُّ بأوَّل، قال اللَّهُ تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: ١٠٩].

وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: ٢٧] فأخبر عن عدم نفادٍ لكلماته لِعِزَّته وحكمته، وهذان وصفان ذاتيان له سبحانه وتعالى لا يكون إلا كذلك.

وذكر ابن أبي حاتم في "تفسيره" (١) عن سليمان بن عامر قال: سمعت الربيع بن أنس يقول: "إن مثل علم العباد كلهم في علم اللَّه عز وجل كقطرة من هذه البحور كلها، وقد أنزل سبحانه في ذلك {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} الآية".

وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} الآية؛ يقول سبحانه لو كان البحر مدادًا لكلمات اللَّه، والشجر كلها أقلام لانكسرت الأقلام، وفني ماء البحر، وكلمات اللَّه تعالى باقية لا يفنيها شيء؛ لأن أحدًا لا يستطيع أن يقدر قدره ولا يثني عليه كما ينبغي، بل هو كما أثنى على نفسه، إن ربنا كما يقول وفوق ما يقول، ثم إن مثل نعيم الدنيا أوَّله وآخره في نعيم الآخرة كحبة من (٢) خردل في خلال الأرض كلها" (٣) .


(١) ليس في المطبوع، وهو ناقص. انظر: تفسير ابن كثير (٣/ ٤٦٠).
(٢) ليس في "د"، ووقع في "أ" "في" وهو خطأ.
(٣) انظر: رسالة الرد على من قال: بفناء الجنَّة والنَّار ص (٤٩).