للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرب سبحانه فعَّالًا لِمَا يُريد، ولم يزل ولا يزال موصوفًا بصفات الكمال منعوتًا بنعوت الجلال، وليس المتمكِّن من الفعل كلَّ وقتٍ كالَّذي لا يمكنه الفعل إلَّا في وقتٍ معينٍ، وليس من يَخْلُق كمن لا يَخْلُق، ومن يُحْسِن كمن لا يحسِن، ومن يدبر الأمر كمن لا يدبر، وأيُّ كمالٍ في أنْ يكون رب العالمين معطلًا عن الفعل مدَدٍ مقدرة، أو محقَّقةٍ لا تتناهى، يستحيل منه الفعل، وحقيقة ذلك أنَّه لا يقدر عليه.

وإنْ أبيتم هذا الإطلاق وقلتم: إنَّ المحال لا يوصف بكونه غير مقدور عليه، فجمعتم بين محالين: الحكم بإحالة الفعل من غير موجبٍ لإحالته، وانقلابه من الإحالة الذاتية إلى الإمكان الذَّاتي من غير تجدُّد سببٍ، وزعمتم أنَّ هذا هو الأصل الَّذي تثبتون به وجود الصانع، وحدوث العالم، وقيامة الأبدان، فجنيتم على العقل والشرعِ، والربُّ تعالى لم يزل قادرًا على الفعلِ والكلام بمشيئته، ولم يزل فعَّالًا لِمَا يُريد، ولم يزل ربًّا مُحْسنًا" (١) .

"والمقصودُ: أنَّ القولَ بفناء الجنَّة والنَّارِ قولٌ مبتدع ليقله أحدٌ من الصحابة ولا التابعين، ولا أحدٌ من أئمة المسلمين، والَّذين قالوه إنَّما تلقَّوهُ عن قياسٍ فاسدٍ اشتبه أصله على كثيرٍ من النَّاسِ فاعتقدوه


(١) انظر: رسالة الرد على من قال: بفناء الجنَّة والنَّارِ لابن تيمية ص (٤٤ - ٤٩) بتصرف وزيادة من ابن القيم على ما جاء في هذه الرسالة.
وانظر درء تعارض العقل والنقل (٨/ ٣٤٥ - ٣٤٧)، ومجموع الفتاوى (٨/ ١٥٣ - ١٥٤)، ومنهاج السنة النبوية (١/ ٤٣٢ - ٤٤٦).