للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا كان هذا شأن الميزان، فكيف يستقيم الموزون به؟

وأما قول من فرَّق: بأنَّ الماضي قد دخل في الوجود دون المستقبل، فكلام لا تحقيق وراءه (١) ، فإن الذي يحْضُره (٢) الوجود من الحركات هو المتناهي، ثم يعدم فيصير ماضيًا، كما كان معدومًا لما كان مستقبلًا، فوجوده بين عدمين، وكلما انقضت جملة حدثت بعدها جملة أخرى، فالذي صار ماضيًا هو بعينه الذي كان مستقبلًا، فإنْ دلَّ الدليل على امتناع ما لا يتناهى شيئًا قبل شيء، فهو بعينه، دال على امتناعه شيئًا بعد شيء.

وأما تفريقكم بقولكم: المستقبل نظير قوله: ما أعطيك درهمًا إلا وأعطيك بعده درهمًا، فهذا ممكن. والماضي نظير قوله: ما أعطيك درهمًا إلا وأعطيك قبله درهمًا. فهذا الفرق فيه تلبيس لا يخفى، وليس بنظير ما نحن فيه، بل نظيره أن يقول: ما أعطيك درهمًا إلا وقد تقدم مني إعطاء درهم قبله. فهذا ممكن الدوام في الماضي على حدِّ إمكانه في المستقبل، ولا فرق في العقل الصحيح بينهما البتَّة، ولمَّا لم يجدِ الجهمُ (٣) وأبو الهذيل وأتباعهما بين الأمرين فرقًا قالوا: بوجوب (٤) تناهي الحركات في المستقبل كما يجبُ ابتداؤها عندهم في الماضي.

وقال أهل الحديث: بل هما سواء في الإمكان والوقوع، ولم يزل


(١) في "د": "له" بدل "وراءه".
(٢) في "ج، د": "يحصره".
(٣) في "د": "جهم".
(٤) في "أ": "يوجب".