للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالاستثناء وقع في الآية التي أخبرت عن دخول أولياء الشيطان (١) النار. فَمِنْ ها هنا قال ابن عباس: "إنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على اللَّه في خلقه".

قالوا: وقول من قال إن "إلا" بمعنى "سوى"، أي: سوى ما شاء اللَّه أن يزيدهم من أنواع العذاب وزمنه = لا تخفى منافرته للمستثنى والمستثنى منه، وإن الذي يفهمه المخاطب: مخالفة ما بعد "إلا" لما قبلها.

قالوا: وقول من قال: إنه لإخراج ما قبل دخولهم إليها من الزمان؛ كزمان البرزخ والموقف، ومدَّة الدنيا أيضًا = لا يساعد عليه وجه الكلام، فإنَّه استثناء من جملة خبريَّة مضمونها: أنَّهم إذا دخلوا النَّارَ لبثوا فيها مدَّة دوام السماوات والأرضِ إلَّا ما شاء اللَّهُ (٢) ، وليس المراد الاستثناء قبل الدخول، هذا ما لا يفهمه المخاطب، ألَا ترى أنَّه سبحانه يخاطبهم بهذا في النَّار حين يقولون: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} [الأنعام: ١٢٨]، فيقول لهم حينئذٍ: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: ١٢٨]، وفي قولهم: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} نوعُ اعترافٍ واستسلام وتحسُّر، أي: استمتع الجن بنا، واستمتعنا بهم، فاشتركنا


(١) في "ب": "الشياطين".
(٢) انظر: رسالة الرد على من قال بفناء الجنَّة والنَّار لابن تيمية ص (٥٣ - ٦٠) بتصرف مع زيادة أحيانًا.