للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه طريقان لنظَّار المسلمين، وكثير منهم يذهب إلى أنَّ ذلك يُعلَم بالعقل مع السمع، كمَّا دلَّ عليه القرآن في غير موضع، كإنكارهِ سبحانه على من زعم أنَّه يُسَوِّي بين الأبرار والفجار في المحيا والممات، وعلى من زعم أنَّه خلق خلقه عبثًا، وأنَّهم إليه لا يُرجعون، وأنَّه يتركهم سُدى، أي: لا يثيبهم ولا يعاقبهم، وأنَّ ذلك يقدحُ في حكمته وكماله، وأنَّه نِسْبةُ له (١) إلى ما لا يليقُ به، وربما قرَّروهُ بأنَّ النفوس البشرية باقيةٌ، واعتقاداتها وإراداتها صفة لازمةٌ لها لا تفارقها وإن ندمت عليها، لمَّا رأت العذاب، فلم تندم عليها لقبحها وكراهة ربها لها، بل لو فارقها العذاب رجعت كما كانت أوَّلًا.

قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨) } [الأنعام: ٢٧ - ٢٨] (٢) .

فهؤلاء قد ذاقوا العذابَ وباشروه، ولم يزل سببه ومُقْتضِيْهِ من نفوسهم، بل خبثها وكفرها قائم بها، لم يفارقها بحيث لو رُدُّوا لعادوا كفارًا كما كانوا، وهذا يدلّ على أن دوام تعذيبهم يقضي به العقل، كما جاء به السمع.

قال أصحاب الفناء: بالكلام على هذه الطرق: يَبِيْنُ الصوابُ في هذه المسألة.


(١) ليس في "ب، د".
(٢) إلى هنا انتهى السقط من "ج".