ضرورة، فلا ريب أنَّه من المعلوم من دينه بالضرورة، أن الكفار باقون فيها ما دامت باقية، هذا معلوم من دينه بالضرورة، وأما كونها أبدية لا انتهاء لها ولا تفنى كالجنة، فأين في القرآن والسنة دليل واحد يدل على ذلك؟
قالوا: وأما الطريق الخامس: وهو أن في عقائد أهل السنة: أن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدًا. فلا ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهيمية والمعتزلة، وهذا القول لم يقله أحد من الصحابة ولا التابعين، ولا أحد من أئمة المسلمين، وأما فناء النار وحدها فقد أوجدناكم من قال به من الصحابة، وتفريقهم بين الجنة والنار، فكيف يكون القول به من أقوال أهل البدع، مع أنَّه لا يُعْرَف عن أحد من أهل البدع التفريق بين الدارين، فقولكم: إنه من أقوال أهل البدع كلامُ من لا خِبْرَة له بمقالات بني آدم، وآرائهم واختلافهم.
قالوا: والقول الذي يُعَدُّ من أقوال أهل البدع: ما خالف كتاب اللَّه، أو سنة رسوله، أو إجماع الأمة، إما الصحابة (١) أو من بعدهم، وأما قول يوافق الكتاب والسنة وأقوال الصحابة، فلا يُعَدُّ من أقوال أهل البدع، وإن دانوا به واعتقدوه، فالحق يجب قبوله ممن قاله، والباطل يجب ردُّهُ على من قاله، وكان معاذ بن جبل يقول: "اللَّه حَكَم قسط، هلك المرتابون، إن من ورائكم فتنًا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يقرؤه المؤمن والمنافق، والمرأة والصبي، والأسود والأحمر،
(١) قوله "أو سنة رسوله أو إجماع الأمة، إمَّا الصحابة" وقع في "ج" "والسنة أو إجماع الصحابة أو من بعدهم، ووقع في "أ" "و" بدل "أو".