للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كانت رحمته غلبت غضبه، فإن رضا نفسه أعلى وأعظم، فإن رضوانه أكثر من الجنات ونعيمها وكل ما فيها، وقد أخبر أهل الجنة: أنَّه يُحِلُّ عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبدًا.

وأما غضبه تبارك وتعالى وسخطه فليس من صفاته الذاتية التي يستحيل انفكاكه عنها بحيث لم يزل ولا يزال غضبان، والناس لهم في صفة الغضب قولان:

أحدهما: أنَّه من صفاته الفِعْلِيَّة القائمة به كسائر أفعاله.

والثاني: أنَّه صِفَة فعل منفصل عنه غير قائم به.

وعلى القولين، فليس كالحياة والعلم والقدرة التي تستحيل مفارقتها له، والعذاب إنما نشأ من صفة غضبه، وما سُعِّرت النار إلا بغضبه، وقد جاء في أثر مرفوع: "إن اللَّه خلق خلقًا من غضبه، وأسكنهم بالمشرق ينتقم بهم ممن عصاه" (١) .

فمخلوقاته سبحانه نوعان: نوع مخلوق من الرحمة وبالرحمة.


(١) لم أقف عليه بهذا اللفظ.
والأثرُ ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة ص (٢٨٧) نقلًا عن ابن القيم، ولم يعزه لأحد، وعن السخاوي نقله العجلوني في كشف الخفاء (٢/ ٦٥).
وقد وردت آثارٌ في معناه.
انظر: المقاصد الحسنة ص (٢٨٦)، وكشف الخفا للعجلوني (٢/ ٦٤ - ٦٥).