للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا تأمل اللبيب شرع الرب تبارك وتعالى، وقدره في الدنيا، وثوابه وعقابه في الآخرة = وَجَدَ ذلك في غاية التناسب والتوافق، وارتباط ذلك بعضه ببعض، فإن مصدر الجميع عن علمٍ تامٍّ، وحكمة بالغة، ورحمة سابغة، وهو سبحانه الملك الحق المبين، وملكه ملك رحمة وإحسان وعدل.

الوجه التاسع: أن عقوبته للعبد ليست لحاجةٍ إلى عقوبته، ولا لمنفعة تعود إليه، ولا لدفع مضرة وألم يزول عنه بالعقوبة. بل يتعالى عن ذلك ويتنزه كما يتعالى عن سائر العيوب والنقائص، ولا هي عبث مَحْض خال عن الحكمة والغاية الحميدة، فإنَّه أيضًا يتنزه عن ذلك ويتعالى عنه، فإما أن يكون من تمام نعيم أوليائه وأحبائه، وإما أن يكون من مصلحة الأشقياء ومداواتهم، أو لهذا ولهذا.

وعلى التقادير الثلاث: فالتعذيب أمر مقصود لغيره قصد الوسائل، لا قصد الغايات، والمراد من الوسيلة إذا حصلت على الوجه المطلوب زال حكمها، ونعيم أوليائه ليس متوقِّفًا في أصله ولا في كماله على استمرار عذاب أعدائه ودوامه، ومصلحة الأشقياء ليست في الدوام والاستمرار، وإن كان في أصل التعذيب مصلحة لهم.

الوجه العاشر: أن رضا الرب تبارك وتعالى ورحمته صفتان ذاتِيَّتَان له، فلا منتهى لرضاه كما قال أعلم الخلق به: "سبحان اللَّه وبحمده، عدد خلْقه، ورضا نفسه، وزِنَة عرشه، ومداد كلماته" (١) .


(١) أخرجه مسلم رقم (٢٧٢٦).