للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرب تعالى وقابلوه بما لا يليق أن يقابل به، وعاملوه أقبح معاملة، وكذبوه وكذبوا رسله، وجعلوا أقل خلقه وأخبثهم وأمقتهم له نِدًّا له، وآلهة (١) معه، آثروا رضاهم على رضاه، وطاعتهم على طاعته، وهو وليُّ الإنعام عليهم، وهو خالقهم ورازقهم ومولاهم الحق اشتد مقْتُهُ لهم، وغضبه عليهم، وذلك يوجب كمال أسمائه وصفاته التي يستحيل عليه تقدير خلافها، ويستحيل تخلف آثارها ومقتضاها عنها، بل ذلك تعطيل لأحكامها، كما أن نفيها عنه تعطيل لحقائقها، وكلا التعطيلين محال عليه سبحانه.

فالمعطِّلون نوعان: أحدهما: عطَّل صفاته.

والثاني: عطَّل أحكامها وموجباتها.

وكان هذا العذاب عقوبة لهم من هذا الوجه، ودواء لهم من جهة الرحمة السابقة للغضب، فاجتمع فيه الأمران، فإذا زال الغضب بزوال سببه، وزالت المادة الفاسدة بتغير الطبيعة المقتضية لها في الجحيم بمرور الأحقاب عليها، وحصلت الحكمة التي أوجبت العقوبة = عملت الرحمة عملها، وطلبت أثرها من غير معارض. يوضحه:

الوجه الحادي عشر: وهو أن العفو أحب إليه سبحانه من الانتقام، والرحمة أحب إليه من العقوبة، والرضا أحب إليه من الغضب، والفضل أحب إليه من العذل، ولهذا ظهرت آثار هذه المحبة في شرعه


(١) في "ج": "وألهمه" وهو خطأ.