للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقدره، وتظهر كل الظهور لعباده في ثوابه وعقابه، وإذا كان ذلك أحب الأمرين إليه، وله خَلَقَ الخَلْق، وأنزل الكتب وشرع الشرائع، وقدرته سبحانه صالحة لكل شيء، لا قصور فيها بوجهٍ ما، وتلك المواد الرديئة الفاسدة مرض من الأمراض، وبيده سبحانه الشفاء التام، والأدوية الموافقة لكل داء، وله القدرة التامة، والرحمة السَّابِغة (١) والغنى المطلق، وبالعبد أعظم حاجة إلى من يداوي علته التي بلغت به غاية الضرر والمشقة، وقد عرف العبد أنَّه عليل، وأن دوائه بيد الغني الحميد، فتضرع إليه ودخل به عليه، واستكان له وانكسر قلبه بين يديه، وذل لعزته، وعرف أن الحمد كله له (٢) ، وأن الحق كله له، وأنه هو الظلوم الجهول، وأنَّ ربه تبارك وتعالى عامله ببعض عدله لا بكلِّ عدله، وأنَّ له غاية الحمد فيما فَعَلَ به، وأنَّ حمْده هو الذي أقامه في هذا المقام، وأوصله إليه، وأنه لا خير عنده من نفسه بوجهٍ من الوجوه، بل ذلك محض فضل اللَّه وصدقته عليه، وأنه لا نجاة له مما هو فيه إلا بمجرد العفو والتجاوز عن حقه، فنفسه أولى بكل ذم وعيب ونقص، وربه تعالى أولى بكل حمد وكمال ومدح.

فلو أن أهل الجحيم شهدوا نعمته سبحانه ورحمته وكماله وحمده الذي أوجب لهم ذلك، فطلبوا مرضاته؛ ولو بدوامهم في تلك الحال، وقالوا: إن كان ما نحن فيه رضاك فرضاك الذي نريد، وما أوصلنا إلى هذه الحال إلا طلب ما لا يرضيك، فأما إذا أرضاك هذا منا فرضاك غاية


(١) في "أ": "السابقة"، وفي "د": "الشاملة".
(٢) في "د": "للَّه".