للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يضاف إليه، وهو -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقل: أنت لا تخلق الشر، حتى يطلب تأويل قوله، وإنما نفى إضافته إليه وصْفًا وفعْلًا واسمًا.

وإذا عُرِف هذا؛ فالشر ليس إلا الذنوب وموجباتها، وأما الخير فهو الإيمان والطاعات وموجباته، والإيمان والطاعات متعلقة به سبحانه، ولأجلها خلق خلْقَه وأرسل رسلَه وأنزل كتبه، وهي ثناء على الرب (١) وإجلاله وتعظيمه وعبوديته، وهذه لها آثار يطلبها ويقتضيها، فتدوم آثارها بدوام متعلقها.

وأما الشرور فليست مقصودة لذاتها، ولا هي الغاية التي خلق لها الخلق، فهي مفعولات قُدِّرت لأمرٍ محبوب، وجُعِلت وسيلة إليه، فإذا حصل ما قُدِّرت له اضمحلت وتلاشت، وعاد الأمر إلى الخير المحض.

الوجه الرابع عشر: أنَّه سبحانه قد أخبر أن رحمته وسعت كل شيء (٢) . فليس شيء من الأشياء إلا وفيه رحمته، ولا ينافي هذا أن يرحم العبد بما يشق عليه ويؤلمه، وتشتد كراهته له، فإن ذلك من رحمته أيضًا كما تقدم.

وقد ذكرنا حديث أبي هريرة آنفًا (٣) وقوله تعالى لذينك الرجلين: "رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما في النار".


(١) وقع في "د": "على الرب وتحيته".
(٢) كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦].
(٣) ص (٧٦٨) وهو لا يصح.