للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونُفُّوا أذن لهم في دخول الجنة (١) .

ومعلوم أن النفوس الشريرة الخبيثة المظلمة التي لو ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه، لا تصلح أن تسكن دار السلام في جوار رب العالمين، فإذا عذبوا بالنار عذابًا يخلص نفوسهم من ذلك الخبث والوسخ والدرن، كان ذلك من حكمة أحكم الحاكمين ورحمته، ولا ينافي الحكمة خلقَ نفوسٍ فيها شر يزول بالبلاء الطويل والنار، كما يزول بها خبث الذهب والفضة والحديد، فهذا معقول في الحكمة، وهو من لوازم العالم المخلوق على هذه الصفة، أما خلق نفوس لا يزول شرها أبدًا، وعذابها لا انتهاء له، فلا يظهر في الحكمة والرحمة، وفي وجود مثل هذا النوع نزاع بين العقلاء، أعني: ذواتًا وهي شرٌّ من كل وجه، ليس فيها شيء من خير أصلًا.

وعلى تقدير دخوله في الوجود، فالرب تبارك وتعالى قادر على قلب الأعيان، وإحالتها، وإحالة صفاتها.

فإذا وجدت الحكمة المطلوبة من خلق هذه النفوس، والحكمة المطلوبة من تعذيبها، فإنَّه (٢) سبحانه قادر أن ينشئها نشأة أُخرى غير تلك النشأة، ويرحمها في النشأة الثانية نوعًا آخر من الرحمة.


(١) كما في حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري رقم (٢٣٠٨) و (٦١٧٠). وقد تقدَّم في آخر الباب (٣٧).
(٢) في "ب، د، هـ" ونسخةٍ على حاشية "أ" "فاللَّه".