للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوضحه:

الوجه التاسع عشر: وهو أنَّه قد ثبت أن اللَّه سبحانه يُنْشئ للجنة خلقًا آخر، يسكنهم إياها، ولم يعملوا خيرًا تكون الجنة جزاء (١) لهم عليه، فإذا أخذ العذاب من هذه النفوس مأخذه، وبلغت العقوبة مبلغها، فانكسرت تلك النفوس، وخضعت وذلت (٢) ، واعترفت لربها وفاطرها بالحمد، وأنه عدل فيها كل العدل، وأنها في هذه الحال كانت في تخفيف منه، ولو شاء أن يكون عذابها أشد من ذلك لَفَعَل، وشاء كتب العقوبة طلبًا لموافقة رضاه ومحبته، وعلمت أن العذاب أولى بها، وأنه لا يليق بها سواه، ولا تصلح إلا له، فذابت منها تلك الخبائث كلها، وتلاشت وتبدلت بذلٍّ وانكسارٍ، وحَمْدٍ وثناء على الرب تبارك وتعالى، ولم يكن في حكمته أن يستمر بها في العذاب بعد ذلك، إذ قد تبدل شرها بخيرها، وشركها بتوحيدها، وكبرها بخضوعها وذلها.

ولا ينتقض هذا بقوله عز وجل: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: ٢٨] فإن هذا قبل مباشرة العذاب الذي يزيل تلك الخبائث، وإنما هو عند المعاينة قبل الدخول، فإنَّه سبحانه وتعالى قال: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: ٢٧, ٢٨].


(١) ليس في "أ، ج"، ووقع في نسخة على حاشية "أ" "خيرًا".
(٢) في "ج" ونسخةٍ على حاشية "أ" "وذُلِّلت".